توطئة: العصر الحالي والتحوّلات

 

لأنّنا في عصر التحوّلات السريعة، والقيم المتلاحقة التي تغزو أجيالنا…
لأنّ اندفاعة الحياة التي نعيشها لم تعد تسمح بوقفات تأمّل عميق ومزايدات ذات طابع غيبيّ تحنّ إلى قديمٍ زال أو فقَدَ وهجَه في ما بلغناه من تطوّر وتوتّر…
لأنّ الإنسان المعاصر يحمل هاجسَ الهمّ المعيشيّ، وعاملُ الاستهلاك يطبع جوهر حياته حتى باتت إغراءاتُ السوق المتلاحقة تولّد لديه حاجاتٍ جديدة يتحرّقُ لإشباعها…
لأنّ الاختصاص العلميّ صار يغلّب التوجّه النفعيّ المنتج employable على التأمّل النظريّ speculative في حقائق الحياة وفلسفة الوجود…
لأنّ المعرفة لم تَعُد حكرًا على جيل أو طبقة أو نخبة من الناس بل هي ملك الجميع…
لأنّ علاقة الإنسان بالأحداث المحيطة به لم تعد تحتمل انتظار أخبار متباطئة في ظلّ تطوّر تقنيّات التراسل والتواصل، ولا تحصر المرء بدور المتلقّي المنفعل بل تدعوه ليكون مراسلًا فوريّا بالصورة والكلمة، واضعةً طاقات الأقمار الاصطناعيّة في خدمة احتياجاته ورغباته…
لأنّ ما كان يغزو الأسواق والمكاتب والبيوت من أصناف وسلع وعادات خلال عقود صار يختفي بسرعة مذهلة لتحلَّ محلّه أصنافٌ وعادات أكثر تطوّرًا وأقصر عمرًا بوجه ما سيتبعها…
لأنّ متطلّبات الحياة اليوميّة، والإدارة العامّة، والخدمات الحيويّة، والتربية، والتعاطي مع البيئة والإنسان والمعرفة والمهارات والمهن والصحّة ومنابع الطاقة والمواصلات والاتصالاات ومصادر الغذاء وموارد الطبيعة ومقتضيات السعادة والرفاه جميعها عرضة للتأثر الجذريّ بكلّ هذه التحوّلات…
لأنّ الفرص المتاحة باتت أضيق والذكاء الاصطناعي انتقل من خدمة الناس إلى منافستهم…
وبما أنّنا اخترنا خدمة بلدنا وأهلنا وميراث من سبقونا ومستقبل الأجيال الآتية بعدنا، فما من إنسان يعيش في عزلة عن البشر…
نرى لزامًا علينا أن نطرح المفهوم الآتي للإطار الأنسب والأكثر انسجامًا مع المفاهيم المتطوّرة في مجال الخدمة العامّة.