عزيزي المواطن،

إنه لمن دواعي سروري أن أكتب إليك هذه الرسالة باسم حزب الحوار الوطني. وأعلم، يقيناً، ان تساؤلين يشغلان بالك منذ اللحظة الأولى لقراءتها هما: ألا تكفينا تجربتنا التاريخية مع الأحزاب اللبنانية التي لم تستطع لجم حرب تحولت من تقاتل داخلي إلى حرب أهلية، بفعل انغماس هذه الأحزاب عينها في خليط وخلط لا بصر ولا بصيرة فيه بين القومية والوطنية والمطلبية والطائفية والمذهبية.. رغم التاريخ الحافل والمديد لهذه الأحزاب ولبعضها، في النضال المجيد، المعمد بالقمع والاعتقال.. حتى الشهادة!

والتساؤل الثاني، هو: إذا كانت كلمة “الوطني” أسّ كل حزب لبناني في الإشهار أو الإبطان فإن اختيار كلمة “الحوار” هو أقرب الوسائل والأساليب منه إلى الشعارات الأساسية والأهداف!

عزيزي المواطن،

إذا أعملنا الفكر والتفكر في الخلق والخليقة: في الطبيعة والبيئة، في التعاون والاجتماع، في الاقتصاد والسياسة، في الحرب والسلام.. لوجدنا ان “الحوار” هو العنوان الجامع المانع لكل منها، سواء أكان هذا الحوار تفاعلاً أم تبادلاً أم ارتقاء أم استتباعاً أم تضاداً..

وإذا أمعنا النظر في تاريخنا، القديم والوسيط والحديث، لوجدنا ان لبنان كان يكبو كلما اتخذ “الحوار” منحى أحادياً عند هذا الحزب أو ذاك، أو هذه الطائفة أو تلك، أو في داخلها نفسها؛ وكان يتبوتق وينهض كلما اتخذ معنى جمعياً فللمواطنة حقوقاً متساوية وندية.

وما بين “الحوار” و”الوطن”، أصرينا منذ البدء والتأسيس أن لا نكون وأن لا نشكل “حواراً” وحسب، وإنما أن يكون هذا الحوار وطنياً أيضاً وبإصرار؛ وفي كلّ ما عدا ذلك، نحسب أنفسنا نقع ـ شئنا أم أبينا ـ في مفاهيم ستقودنا حتماً إلى الخلط والخليط في ما تقدّم.

لهذا كنا، وكان “حزب الحوار الوطني”.

************

منذ اتفاق الطائف، لم تعمل الحكومات المتعاقبة وهيئات المجتمع المدني على اختلافها وكثرة عددها، على فتح باب حوار جدي ومسؤول وممتد ـ عمودياً وأفقياً ـ من أجل تطبيق بنوده وتعميم خلفية وموجب كل بند من بنوده، وصولاً إلى حل ناجح للمسائل المصيرية كافة، وفي مقدّمتها إعادة بناء مؤسسات الدولة والمجتمع بما يضمن حياة سياسية حية وخلاقة، ويبني علاقة سويّة مع سوريا بالاستناد إلى ما حدده الطائف وإلى التأصيل الحقيقي لمفاهيم الجوار والأخوة والتاريخ. وهذا يتطلب العديد من الخطوات والمشاريع، الفورية والآنية والمتوسطة والبعيدة، من أهمها:

  1.  الآن وقد بوشر إقفال ملفات الحرب بالعفو عن رموز سياسية؛ وإزالة المعوقات أمام عودة المبعدين منهم الذين أظهروا استعدادهم للعمل تحت سقف الدستور واحترام القوانين، ينبغي استكمال عودة المهجرين وإقفال ملفهم بشكل ناجز ومرض.
  2.  إيجاد آليات وأطر تحقيق وتثبيت المساواة والعدالة بين مختلف مكونات الطوائف والمجتمع، من خلال ورشة عمل حقيقية تستحضر تجاربنا والتجارب المماثلة والمتقاربة لدى الشعوب الأخرى، وإرساؤها على أسس قانونية محصنة تزيل الغبن وتستبق حدوثه.
  3.  إنّ الطائفية والمذهبية، بالمعنى السياسي، تٌسخّران من قبل غالبية الزعامات خدمة لمصالحها الخاصة، وما زالتا تهيمنان على الفكر السياسي السائد. ونحن مؤمنون بأن التعددية الدينية هي مصدر غنى، ولا بد للطوائف والمذاهب من لعب دور إيجابي في الحياة العامة، إلاّ أننا وفي نفس الوقت نرى أن الطائفية تسيء إلى الدور الحقيقي للطوائف. كما تسيء المذهبية السياسية إلى الدور الحقيقي للمذاهب. لهذا، نحن نهدف إلى إلغاء الطائفية السياسية تطبيقاً لميثاق الطائف من خلال انصهار جميع اللبنانيين في مفهوم جامع للمواطنة، يحول دون سوء توظيف الزعامات التقليدية للطائفة وللمذهب.
  4.  محاربة الفساد المستشري في الإدارات العامة، وإلغاء كل الأطر المؤسساتية التي حققت غاياتها، وخاصة تلك التي كانت باباً واسعاً لهدر المال وسرقته بالأصالة أو الوكالة، ولهذا فإننا نقترح حلولاً لتخفيف الدين العام وتحفيز الحركة الاقتصادية.
  5. إصدار قانون انتخابات عادل وعصري يضمن التمثيل الصحيح ويشكل مدخلاً عملياً لحوار فعال ومجد. ونحن نرى ان تحقيق التمثيل المنشود يفرض اعتماد نظام اقتراع نسبي يحترم مبدأ المناصفة بين المسلمين والمسيحيين المكرّس في اتفاق الطائف. ونرى إمكانية تقسيم لبنان إلى حوالى أربعة عشرة دائرة انتخابية شبه متساوية من حيث عدد الناخبين والمنتخبين، وبمعزل عن عدد المحافظات والأقضية. ونرى أفضلية لإجراء الانتخابات على مرحلتين أو على مستويي الدائرة والقضاء لضمان صحة التمثيل.

ان اعتماد التوصيات التي تقدم ذكرها حول قانون الانتخاب، يمهد الدرب لاختيار مجلس نيابي منبثق عن إرادة شعبية، يٌعبّر عنها ويكون بمقدوره إقامة دولة القانون والمؤسسات التي نصبو كلنا إلى إقامتها؛ دولة تحترم حقوق المواطنين وتعزز المساواة فيما بينهم. ومن البديهي ان هذا لا يمكن أن يتحقق في ظل دولة تختصرها “محادل” متعددة، أنتجت نظاماً انتخابياً غير عادل ومتساوٍ، يختصر الوطن والتمثيل النيابي بقلة مهيمنة لا تمثل حاجات الشعب الحقيقية.

عزيزي المواطن،

ان “حزب الحوار الوطني” لن يألو جهداً للاسهام في تحقيق هذه الأهداف بشكل نشط وفاعل. وهو يضع بين يديك ملخّص برنامجه، آملاً أن يكون مرآة لهمومك وآمالك ومعبراً صادقاً عن آلامك وصعابك، فمنك ننشد المؤازرة وإليك يؤول القصد…

المهندس فؤاد مخزومي
رئيس حزب الحوار الوطني